أدوات الدراسة في البحث العلمي
البحث العلمي هو: "السُّلوك البشري المُنظَّم الذي يهدف إلى الوصول لصحَّةِ فرضيةٍ أو معلومةٍ، من خلال فهم المُسبِّبات، ومن ثَمَّ إيجاد الحلول الناجحة لمُشكلةٍ مُعيَّنةٍ، تهمُّ كلًا من الفرد والمُجتمع على حدٍّ سواء".
ويُمكن أن نُعرِّف أدوات الدراسة في البحث العلمي بأنها: "الطُّرق التي يتمُّ من خلالها جمع المعلومات والبيانات المتعلقة بالبحث، والتي تُساعد في دراسة وتحليل مُشكلة البحث، وبعد ذلك التوصُّل إلى النتائج".
وسوف نستعرض في هذا المقال كل التفاصيل عن ثلاث من أشهر أدوات الدراسة في البحث العلمي، ويشيع استخدامها في جُلِّ مناهج البحث العلمي، وهي الاستبيان، والمُقابلة، والمُلاحظة.
الاستبيان:
يُمكن أن نُعرِّف الاستبيان بأنه: "أداة من أدوات الدراسة في البحث العلمي تتمثَّل في الاستفسارات أو الأسئلة التي ترتبط مع بعضها البعض، لتُشكِّل الهدف الذي يتطلَّع إليه الباحث، من خلال طرح مشكلة البحث".
المراحل المتعلقة بتصميم الاستبيان:
· تحديد طبيعة البيانات والمعلومات التي يريد الباحث جمعها؛ لحل إشكالية البحث العلمي.
· تحويل وترجمة أهداف البحث العلمي إلى عددٍ من الاستفسارات أو الأسئلة.
· القيام بتجربة الاستبيان على مجموعة من عيِّنة الدِّراسة؛ من أجل التأكُّد من كفاية ووضوح الأسئلة، وفي حالة وجود قصور يتم إجراء تعديل عليها، ومن الممكن أن يستند الباحث إلى آراء بعض المتخصصين والخُبراء؛ من أجل التعرُّف على مدى ترابط ووضوح الاستبيان.
· بعد المراحل سالفة الذكر، يقوم الباحث العلمي بصياغة فقرات الاستبيان في صورتها النهائية، وفقًا للمُلاحظات والتعديلات.
مُكوِّنات الاستبيان:
المقدمة: وتشمل مقدمة الاستبيان ما يلي:
· الهدف من الاستبيان من الناحية العلمية، وطبيعة المعلومات التي يحتاج إليها الباحث.
· توضيح الطريقة التي ينبغي أن يتَّبعها المبحوث للرد على أسئلة الاستبيان.
· تشجيع وتوعية المبحوثين بأهمية الإجابة عن الاستبيان بكل موضوعية ووضوح، مع طمأنتهم بأن تلك المعلومات تستخدم للغرض العلمي فقط، ولن يطلع عليها أحد من باب سرية المعلومات.
· توضيح مدى الفائدة التي تعود على المبحوث من موضوع البحث.
الفقرات التي يشتمل عليها الاستبيان: وهي عبارة عن الأسئلة الخاصة بالاستبيان، مع وضع الباحث العلمي للاحتمالات المتعلقة بالإجابات؛ حتى يتسنَّى للمبحوث اختيار أحدها.
أنماط الاستبيان:
· الاستبيان المفتوح، وفيه يترك الفرصة للمبحوث؛ من أجل التعبير عن راية بكل حرية وبالتفصيل، ومن خصائص ذلك النوع من الاستبيان، صعوبة الإجابة عن الأسئلة المطروحة، ويحتاج إلى وقت وجُهد كبيرين، والصعوبة في تصنيف الإجابات التي يُبديها المبحوثون، وقد يشوب ذلك النوع القصور؛ نظرًا لعدم قيام المبحوثين بالتعبير عن آرائهم بوضوح.
· الاستبيان المغلق، وهو الذي يتضمَّن مجموعة مُحدَّدة من الإجابات مثل: أقل/ أكثر/ أو نعم/ لا، ومن خصائص ذلك النوع من الاستبيان سهولة الحصول على الإجابة من قبل المبحوث، ويتطلب وقتًا وجُهدًا أقل، وبالتالي سهولة جمع المعلومات.
· الاستبيان المختلط، وهو الذي يجمع بين النمطين السابقين.
مزايا طريقة الاستبيان:
· وسيلة مهمة من بين أدوات الدراسة في البحث العلمي، وتساعد على الإجابة بشكل صريح لافتراض عدم توقيع المبحوثين عليها، فلا خوف من الإدلاء بأي معلومات.
· من الممكن تخيير المبحوثين في الوقت الذي يرغبون فيه بالإدلاء على الإجابات، وذلك يُفيد في الحصول على الإجابات الواضحة؛ لأخذ التوقيت المناسب في الاعتبار.
· عدم وجود أي وسيلة ضغط من جانب الباحث على المبحوثين؛ من أجل الحصول على الإجابات حول مشكلة، أو موضوع مُعيَّن.
· جميع المبحوثين على قدم المُساواة؛ حيث إن الأسئلة موحدة، ولا يوجد تمييز أو تفضيل لشخص على آخر، ووحدة الاستبيان تُساهم في سهولة تجميع وتصنيف المعلومات، وبالتالي الوصول إلى النتائج وتفسيرها.
· يُعَدُّ الاستبيان من أدوات الدراسة في البحث العلمي غير المُكلِّفة من الناحية المادية.
سلبيات طريقة الاستبيان:
· إمكانية عدم التزام بعض أفراد العيِّنة بتسليم نماذج الاستبيان الخاصة بهم، وبالتالي يؤثر ذلك على نتيجة الدراسة.
· قد تكون الإجابة عن بعض الأسئلة بطريقة سريعة، ويشوبها حالة اللامُبالاة من جانب المبحوثين.
· قد يختلط الأمر على المبحوثين في عدم فهم أسئلة الاستبيانات، وخاصة في ظل استخدام ألفاظ مُبهمة أو غامضة.
· قد يكون هناك إهمال في طريقة الإجابة عن بعض أسئلة الاستبيان من جانب بعض المبحوثين.
· قد يعتبر المبحوث أن الأسئلة غير جيِّدة، ويجب أن لا يقوم بشغل باله بها (كأن يكون الاستبيان عبارة عن أسئلة بديهية، أو غير ذات أهمية).
· قد يكون عدد الأسئلة كبير جدًّا أو مطولة جدًّا، وقد يشعر المبحوث بالتعب والملل من جرَّاء ذلك، وبالتالي يقلل ذلك من قيمة الاستبيان كأداة من أدوات الدراسة في البحث العلمي.
· احتمالية وجود فروق في المؤهل العلمي أو الدراسي فيما بين المبحوثين، وبالتالي يؤثر ذلك على طريقة إجابتهم.
· قد تكون الأسئلة أو الاستفسارات المطروحة في الاستبيان موجهة نحو إجابة مُعيَّنة، وغير موضوعية لعيوب في الصياغة دون أن يشعر الباحث بذلك.
الصفات التي يجب توافرها في الاستبيان الجيد:
· يجب أن لا يحتوي الاستبيان على أسئلة كثيرة أو مطولة؛ حتى يكون أداة جيدة من أدوات الدراسة في البحث العلمي.
· يجب على الباحث العلمي الابتعاد عن الأسئلة غير المفيدة أو المُعقَّدة.
· يجب تحفيز المبحوث على الإجابة من خلال الأسئلة التي تجذب الانتباه وتنشط الفكر، ويجب الاهتمام أيضًا بالأسئلة التي تسمح للمبحوث بالتعبير عن آرائه وأحاسيسه.
· ينبغي على الباحث استخدام الجُمل السهلة والواضحة؛ من خلال اللغة البسيطة والكلمات التي تناسب موضوع البحث، وكذلك استخدام النمط المهذب والمتواضع، مثل (شكرًا على الإجابة ـ رجاء الإجابة عن....)، وتلك الأنماط الكتابية تخلق الحافز لدى المبحوثين.
· تحقيق الترابط فيما بين استفسارات الاستبيان؛ من أجل تجنُّب الخروج عن الحيِّز المتعلق بالبحث من جانب، وعدم إهمال أي استفسار من جانب آخر.
· يجب على الباحث أن يبتعد عن الأسئلة العميقة والمركبة التي تشمل عدة أفكار، حتى لا يُشتِّت ذهن المبحوث، حتى يصبح الاستبيان أداة جيدة من أدوات الدراسة في البحث العلمي.
· التحقق من صدق المبحوثين؛ من خلال وضع أسئلة متشابهة، والربط بين الإجابات الخاصة بتلك الأسئلة.
طريقة إيصال الاستبيان للمبحوثين: ويمكن ذلك من خلال التواصل المباشر مع المبحوثين، أو من خلال إرسالها عن طريق البريد.
المُقابلة:
تُعَدُّ المُقابلة من أدوات الدراسة في البحث العلمي، ويمكن أن نُعرِّف المُقابلة بأنها: "الحوار أو المُحادثة التي تتم فيما بين الباحث والمبحوثين؛ من أجل الوصول إلى البيانات والمعلومات التي توضح المواقف والحقائق التي يتطلبها البحث العلمي"، والباحث العلمي في تلك الطريقة هو من يقوم بكتابة إجابات الأسئلة بنفسه على خلاف الاستبيان.
المراحل الخاصة بإجراء المُقابلة:
· تحديد الهدف من المُقابلة: وذلك من خلال تحديد طبيعة البيانات والمعلومات التي يريد أن يتحصَّل عليها الباحث العلمي؛ لتعظم الفائدة من البحث، وقد يتمثل ذلك في هدف واحد أو عدة أهداف، ويجب عليه أن يقوم بتوضيح تلك الأهداف للمبحوثين المُزمع مُقابلتهم، حتى تؤتي المُقابلة بثمارها كأداة مهمة من أدوات الدراسة في البحث العلمي.
· تحديد المبحوثين: وهو ما يُقصد به تحديد عيِّنة الأشخاص موضع الدراسة، والتي تُمثِّل مُجتمع الظاهرة أو المشكلة، ويشترط في ذلك أن يكون لدى المبحوثين الرغبة في الإدلاء بالبيانات والمعلومات التي تُساهم في خدمة البحث.
· تحديد الاستفسارات والأسئلة المتعلقة بالمُقابلة: ومن المُفضَّل أن يقوم الباحث العلمي بإرسال تلك الأسئلة إلى المبحوثين قبل موعد المُقابلة؛ من أجل منحهم فكرة عن مشكلة أو ظاهرة البحث العلمي.
· تحديد المكان والزمان: ويجب أن يكون كل من مكان المُقابلة أو الموعد الخاص بها مُريحين بالنسبة للمبحوثين، ولا يتعارضان مع أي مهام أخرى خاصة بهم.
· التدريب: من الممكن أن يقوم الباحث العلمي بالتدريب على طريقة المُقابلة، من خلال تمثيل الأدوار بينه وبين زملائه، وذلك من العوامل المهمة الذي يُؤدِّي إلى نجاح المُقابلة كأداة من أدوات الدراسة في البحث العلمي.
· تنفيذ المُقابلة: وعند إجراء المُقابلة يجب على الباحث العلمي أن يخلق الجو الهادئ؛ من أجل أن يحصل على الحوار البنَّاء؛ ويمكن أن يحقق ذلك من خلال التعامل بودٍّ لاكتساب ثقة المبحوثين.
· تسجيل إجابات المُقابلة: من المُفضَّل أن يقوم الباحث العلمي بتسجيل المُلاحظات والإجابات في وقت المُقابلة، وعدم تأخيرها لوقت لاحق؛ حتى لا ينسى الباحث أي تفاصيل، ويجب أن يبتعد الباحث عن تفسير الإجابات في حالة عدم وضوحها، بل ينبغي أن يلجأ إلى المبحوث لاستيضاح الأمر في حالة الحاجة لذلك، ومن الممكن استخدام أجهزة التسجيل؛ من أجل توخِّي الموضوعية والدقة بصورة أكبر، ولكن ينبغي أن يتم استئذان المبحوث في ذلك.
مزايا طريقة المُقابلة:
· تتميَّز المعلومات والبيانات التي يتم الحصول عليها عن طريق المُقابلة بالدقة، نظرًا لإمكانية الحصول على الإجابات بشكل واضح، والاستفسار عمَّا هو غامض فيها.
· تُعَدُّ المُقابلة من أدوات الدراسة في البحث العلمي التي تتميَّز بالموضوعية في تقييم السمات الشخصية للمبحوثين.
· في المُقابلة يشعر المبحوثون أو عيِّنة الدراسة بأهميتهم بصورة أكبر.
· المعلومات التي يتم توفيرها من المُقابلات تتميَّز بالغزارة والشمولية لجميع جوانب البحث.
· المُقابلة إحدى الوسائل المهمة في حالة كون بعض المبحوثين من الذين لا يفقهون القراءة أو الكتابة.
عيوب طريقة المُقابلة:
· تتطلَّب وقتًا وجُهدًا كبيرين، وتكلفتها المادية أعلى من أدوات الدراسة في البحث العلمي الأخرى.
· نجاح طريقة المُقابلة يتوقَّف على مدى رغبة المبحوثين في الحديث والتجاوب مع الباحث.
· صعوبة إجراء المُقابلة مع بعض المراكز القيادية المهمة، وقد يُعرض ذلك الباحث لعديد من المشكلات في حالة الإصرار على ذلك.
· تتطلَّب المُقابلات مهارةً من الباحث العلمي؛ من أجل الحصول على المعلومات من المبحوثين، وفي حالة عدم توافر ذلك لن يتسنَّى للباحث الحصول على معلومات دقيقة.
المُلاحظة:
يُمكن أن نُعرِّف المُلاحظة بأنها: "أداة من أدوات دراسة البحث العلمي التي تعتمد على المُشاهدة لظاهرة أو سلوك مُعيَّن، ومن ثَمَّ تسجيل النتائج".
تصنيفات المُلاحظة:
· الملاحظة المباشرة وهي التي يتواصل فيها الباحث العلمي بصورة مباشرة مع المبحوثين، والملاحظة غير المباشرة وهي التي يقوم من خلالها الباحث العلمي بدراسة التقارير والسجلات التي أعدَّها الغير.
· وعلى سبيل المثال حين يقوم الباحث العلمي بمُراقبة المسجونين فإن ذلك النوع يُسمَّى المُلاحظة المُباشرة، وفي حالة مُراجعة السجلات الدراية للسجن فإن ذلك يكون مُلاحظة غير مُباشرة.
· وتوجد أيضًا أنواع أخرى من المُلاحظة، مثل: المُلاحظة غير المقصودة، والمُلاحظة المقصودة، والمُلاحظة المُحدَّدة، والمُلاحظة غير المُحدَّدة، والمُلاحظة بالمُشاركة، والمُلاحظة من دون المُشاركة.
المراحل الخاصة بإجراء المُلاحظة:
· تحديد الغرض أو الهدف من استخدام طريقة المُلاحظة.
· تحديد عيِّنة المبحوثين الذين سوف يخضعون للمُلاحظة.
· تحديد مكان المُلاحظة، وما تتطلَّبه من وقت.
· القيام بتسجيل المعلومات والبيانات الناتجة عن المُلاحظة، ويُمكن تحقيق ذلك من خلال بطاقة خاصة للمُلاحظات تُحدِّد السلوك الذي يتوقعه الباحث من المبحوثين.
· من المُمكن أن يستخدم الباحث العلمي الكاميرات الحديثة؛ من أجل الحصول على مشهد واقعي، ويُسهم ذلك في تأصيل الجانب الموضوعي، مع عدم نسيان التفاصيل.
مزايا طريقة المُلاحظة:
· الحصول على بيانات أو معلومات دقيقة أكثر من أي أداة أخرى من أدوات الدراسة في البحث العلمي.
· تُعتبر البيانات التي يتحصَّل عليها الباحث من خلال تلك الطريقة تفصيلية وأكثر شمولية، بل إن تلك المعلومات من المُمكن أن لا تكون متوقعة بالنسبة للباحث وتُسهم في توضيح جانب لم يكن يُدركه الباحث.
· تُساعد طريقة المُلاحظة في تسجيل السلوكيات الخاصة بالمبحوثين وقت حدوثها.
عيوب طريقة المُلاحظة:
· قد تُؤثِّر بعض العوامل الطبيعية في الحصول على النتائج من خلال المُلاحظة؛ مثل حدوث طارئ غير مُتوقَّع للباحث، أو بعض العوامل المناخية السيئة، مثل: الأمطار أو العواصف... إلخ.
· قد يلجأ بعض المبحوثين إلى التصنُّع، وإظهار انطباعات غير حقيقية، وذلك في حالة علمهم بوجود الباحث.
· يوجد بعض الحالات الخاصة التي لا يمكن أن يتم السماح فيها بإجراء المُلاحظة، مثل الحياة الخاصة للمبحوثين، وذلك يُصعِّب من استخدامها كأداة من أدوات الدراسة في البحث العلمي.
يقدم موقع مبتعث للدراسات والاستشارات الاكاديمية العديد من الخدمات في رسائل الماجستير والدكتوراة لطلبة الدراسات العليا .. لطلب اي من هذه الخدمات